المختار Admin
عدد المساهمات : 405 نقاط : 1155 تاريخ التسجيل : 29/11/2011
| موضوع: التل... الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 4:56 pm | |
| نقلتها لكم كما هي وأرجو تنال اعجابكم وهي لكاتب مغترب لايخط الا الروائع عن بلدته كما علمت اليوم وحدثني عنه والدي انه الأديب زهير الشلبي سفيرالقصة السورية
التل هذه البلد الأعجوبة ! هذه البلد الأسطورة .. القائمة خلف جبال قاسيون وبرزه ! هذه بلدتي التي ولدت وعشت فيها وبقيت في قلبي وفي خلدي .. ربما أقول هذا لأنني أحببتها كثيراً واشتقت إليها أكثر عندما كنت بعيداً عنها سنوات طويلة .. أهديت أحد كتبي لبلدتي مرتع الصبا ، حيث مازال طعم الوادي القديم بأشجاره ومياهه في قلبي وعلى شفتي ، وقلت لبلدتي وقتها إن حديث الحب هو ذاك وإن حديث العتب سيأتي .. .. ها أنا ذا أذكر حتى سويداء قلبي ، وأنا أكتب هذه الأسطر ، أذكر أيام الشيخ نبيه منذ ستين عاماً ، وأذكر مدرسة الدولة في الخمسينات من القرن الماضي عندما كانت مازالت في حي الوادي في سكن عادي في ساحته شجرة .. أذكر حورتا وتنظيف النهر والتينات على التلة قبل أن يتم بناء مشفى التل .. أذكر أيام كان الحنش يسكن حارساً لمغارة البياض في الغرب .. كما كان يسكن سقف الخشب والشيح عند زميلي أحمد .. أذكر قلبي وقد ضاع عندما فقدنا العزيز الدكتور نزيه البني قبل ستة وثلاثين عاماً .. حيث كان واحداً من أولئك الذين لم يكملوا المشوار .. أذكر ولادة أمي لإخوتي جميعاً ، وعمر كبيرهم يقترب من الستين .. كما أذكر أمي وقد أحكمت نوافذ الغرفة بورق الجوز اتقاء لبرد الشتاء .. وكانت قد أحضرت ذلك الورق الأصفر من الوادي وهي تأخذ منه صقيعه وزمهريره ولا تمرض طالما نحن لم نمرض .. أذكر أبي يجتاز وديان وجبال ووهاد الغربة ، جائعاً خائفاً وحيداً لأيام عصيبة في عام النكبة وقد هرب مع الهاربين ليعود لزوجه وابنه ! أذكره وقد رحل مخترقاً رمال صحراء الجزيرة العربية حيث كان الذاهب مفقوداً مثل الكثيرين من أبنائك يابلدتي الذين لم يعودوا .. أذكرك يا تل وقد كنت جنة في محبتك المتبادلة وفي صفاء أناسك ولم يكن فيك مال .. أذكرك يا بلدي التي كنت الأولى في الوطن كله تتبرعين لأخوة العروبة في الجزائر وغيرها يوم أن جار عليهم المستعمر .. ولأن حبي كبيراً فإن عتبي كبيراً !! أين هو صفاؤك يابلدي الجميلة ؟! أين هو الخوف على الآخر أكثر من الخوف على الذات ؟ أين هو شجرك وواديك يابلدي .. ؟! إن كان المال الذي جاءك من بلاد الاغتراب قد قتل واديك وأفسد بعضاً من أبنائك ، فلا بارك الله في ذلك المال ! ماذا جرى للشجر الذي زرعه واهتم له راحل مرحوم في شوارعك أيتها البلدة ؟!.. وبعد ؟ ماذا يعرف هذا الجيل الجديد عنا نحن الجيل القديم وماذا يعرف عن رائحة أرض الرويس والمجر والوادي قبل أن تهرب منه العصافير ؟ .. هل ذاق طعم نهر الوادي الرقراق الذي مازال يعيش في دمائنا وسيبقى إلى يوم نعود فيه إلى شم التراب النظيف الباقي واحتوائه ضمن ضلوعنا إلى أن يذوب فينا ونذوب فيه ..؟! إنني لأجد نفسي مقصراً جداً ، وقد ضعت في زحمة الحياة ، في الكتابة عن هذه البلدة .. وعساني أكتب بعضاً من الواجب ، فيما تبقى من العمر .. أحبك يابلدي .. وحبي لك هو صورة وولادة عن حبي لوطني الذي لا أريد أن تكون قطرات الماء الأخيرة في دمي إلا من مائه ، ولا أنفاسي الأخيرة في صدري إلا من هوائه ، ولا ضربات قلبي المتخافتة إلا فيه ! .. زهير الشلبي __________________
| |
|