السوري الحر عضو فضي
عدد المساهمات : 220 نقاط : 568 تاريخ التسجيل : 29/11/2011
| موضوع: نزار قباني ودمشق ..العشق الازلي الأحد ديسمبر 04, 2011 8:55 am | |
| دمـشـــــق ونــــزار... العشـــــق الأزلـــــيّ
عندما تستحضر بيت شعر طرّزته براعة شاعرنا الكبير نزار قباني تثب إلى الذهن صورة عاصمة الياسمين دمشق، لكنها صورة من نوع آخر ، فهنا العروس بحلّتها الآسرة، تتدلّى ضفائرها وشالها مصنوع من القرنفل وقد عرّشتْ عليه أشجار الكبّاد والدوالي العتيقة التي تمسّها براعة نزار فتصبح خمرة شعريّة لا أشهى ولا أطيب.
يسافر نزار في أصقاع الأرض مشرّقاً ومغرّباً، وحبيبته دمشق تسارع إلى حقيبته فتجد مكانها قبل ثيابه وأشيائه الخاصة وليس بحاجة لتعطير ثيابه فأريج الشام ينفح هذه الثياب بعبقه الرائع وعناقيدها تغني عن عطور الأرض كلّها:
فرشتُ فوق ثراكِ الطاهرِ الهدُبا فيا دمشــــــــــقُ لماذا نبدأ العتبا؟! أنتِ الحبيبةُ فاســـــــتلقي كأغنيةٍ على ذراعي ولا تستوضحي السببا هذي البساتينُ كانتْ بين أمتعت لمّا ارتحلتُ عن الفيحاءِ مغــــــتربا فلا قميصَ من القمصانِ ألبسه إلاّ وجدتُ على خيطــــــــــانِهِ عنبا
وقد يسأل سائل من أين علقتْ تلك الرائحة بثياب نزار فلم يعد أريجها يفارق تلك الثياب، وهنا لا يترك الشاعر السائل في حيرة من أمره؛ لأنه يقدّم دمشق على طريقته الخاصّة:
إنّي الدمشقيُّ الذي احترف الهوى فاخضوضرتْ لغنائه الأعشابُ والفلُ يبدأ من دمشقَ بياضَهُ وبعطرِها تتطيّبُ الأطيابُ والحبُّ يبدأ من دمشقَ فأهلُنا عشقوا الجمالَ وذوّبوهُ وذابوا
وأميرة الشاعر دمشق ترافقه في حلّه وترحاله،حتّى عندما يلتقي في غرناطة بفتاة إسبانيّة تفيض أنوثة وسحراً، ويقرّر القيام معها بنزهة في شوارع الحمراء ، يلتفتُ الشاعر فيجد دمشق ترافقهما في الطريق فينشغل عن الصديقة الجديدة بالحبيبة القديمة دمشق:
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ما أطيبَ اللقيا بلا ميعادِ وجهٌ دمشقيٌّ رأيتُ خلالَه أجفانَ بلقيسٍ وجيدَ سعادِ ورأيتُ منزلنا القديم وحجرةً كانتْ بها أمّي تمدُّ وسادي ودمشقُ أين تكونُ؟ قلتُ ترينها في شعركِ المنسابِ نهرَ سوادِ في طيبِ جنّاتِ العريفِ وأهلِها في الفلِّ والريحانِ والكبّادِ
الشام قيثارة نزار التي حملها في مشارق الأرض ومغاربها، وراح يشدو عليها تاركاً لنا أنغاماً تشقّ طريقها إلى الخلود بكلّ ارتياح وثقة بالنفس، شأنها شأن قاسيون الذي ازداد شموخاً بعد أن حقّق العرب انتصارهم الكبير في حرب تشرين التحريرية، وشأن بردى الذي حمل في انسيابه ذكرى شهداء تشرين الأبرار الذي روّوا ثرى الجولان بدمائهم الزكيّة فانتشى بهم جبل الشيخ وازداد شموخاً وعنفواناً:
جاء تشرينُ يا حبيبة عمري أحسنُ الوقتِ للهوى تشرينُ ولنا مــــــــــــوعدٌ على جبل الشــــــــــــــيخِ كم الثلجُ دافئٌ وحنونُ كلّ ليمونةٍ ســــــتنجب طفلاً ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ رضيَ اللهُ والرســـــولُ عن الشـــــــــــــامِ فنصرٌ آتٍ وفتحٌ مبينُ اركبي المجدَ يا دمشقُ حصاناً ولكِ اللهُ حافظٌ وأمينُ
دمشق هي كلّ شيء في حياة نزار، هي الأمّ والأختُ ، هي البيتُ،الملعبُ، لوح الطفولة الذي خربش على جدرانه فإذا بالخربشات يزهر قصائد خالدة تعلّقها الشام قلادة رائعة في جيدها الأسمر الذي يصافح الشمس بكبرياء التجدّد، دمشق قبل ذلك كلّه هي الحبيبة التي ألهمت شاعرنا الكبير أروع ما خطّ وغنّى. يعود الشاعر إلى دمشق بعد سنين من الغياب فيجد سكّين العشق يخترق لحمه بكلّ حنوّ فيطرب لذلك المشهد الوارف ويغنّي الشام:
هذي دمشقُ فأين الكأس والراحُ إنّي أحبُّ وبعضُ العشقِ ذبّاحُ إنّي الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي لســــــــــــالَ منه عناقيدٌ وتفّاحُ ولو فتحتُم شراييني وأوردتي وجدتمُ في دمي أخبارَ من راحوا وكانت دمشق على العهد وحفظتْ شعر نزار وردّدته في شموخ قاسيون ودفء جبل الشيخ وهديل بردى وكبرياء الجولان الذي سيعود إلى سورية حرّاً كريماً كما اشتهى نزار قبّاني.
تلك هي قصّة العشق الأزليّ بين نزار ودمشق، قصّة كتب الخلود فصولها بمداد البقاء لتكون عنوان العشق الأبديّ __________________ | |
|