إليك أيتها الصامتة أمام مرآة نفسي, لتبوح نفسي بما يجن قلبك من العشق, وبما يختلج في صدرك من براكين المشاعر, لعلك تظنين أن صمتك سيجدي نفعا أمامي, وأنه سيوقعني فريسة الشرود والتفكر, لا يا سيدتي, فأنا أقرأ ما يدور في دخيلة نفسك من خلال النظر لعينيك, ومن خلال كلماتك العادية والتي تظنين أنها سطحية لا قيمة لها, لا أيتها الحسناء فأنا أتقن الدخول إلى دهاليز الحروف, وأتقن فن معرفة خباياها, أشعر بك حينما ترتعش نبرة صوتك ناطقة اسمي, وحينما يشتاق لي نبضك محدثا عاصفة تحملني إلى عوالمك, وحينما يبوح بي سرك بأنني أسكنك, وحينما يفوح بي عطرك معلنا عن ولادة ربيع ثغرك الباسم, تكلمي أيتها الأنثى المتشحة بالضياء, فالصمت يجعلني أبحر بك أكثر وعندها لا أظن أنني سأعود, فالوصول لشواطئك غايتي ومنيتي وأخشى إن وصلت إليها استوطنت هناك, وتركتك في وحدتك أسيرة الصمت, فتكلمي لعلّ الحروف تعيدني من حيث أتيت, فالكلمات يا سيدتي هي سلاح نصري وهزيمتي معا.
هذا شعوري تجاه هذه القصيدة التي كتبها نزار, ولعلكم تشاركوني البوح هنا بما يصيبكم من شعور, فالعلة من وجود الشعر هو تبادل الشعور, أنتظر ندى مشاعركم على بتلات هذه الصفحات.
عصام طلب
إلى صامتة
تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
- أي كتاب - مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء
نزار قباني