غادة سورية عضو فضي
عدد المساهمات : 120 نقاط : 240 تاريخ التسجيل : 06/12/2011
| موضوع: مقتضيات استقلال المحاماة الأربعاء ديسمبر 14, 2011 6:38 am | |
| مقتضيات استقلال المحاماة
مبدأ استقلال المحاماة من المبادئ الدستورية السامية ولتحديد متطلباته يجب تحديد أساس مشروعية المبدأ نفسه ومبرره ووجوده ، فالاستقلالية ليست مجرد حرية قيام المحامي بما يريد بل أداة لحمايته في أدائه المشروع لواجبه وواقع يكفل هذه الاستقلالية ليستطيع مواجهة منكريها .
فطبيعة المحاماة كونها شريكة للقضاء في إقامة العدل ومبدأ سيادة القانون يؤكد مفهوم هذه الاستقلالية .
من هنا على المحامي أن يكون نزيهاً في ممارسة مهنته وقادراً على هذه الممارسة وأن يتوفر به متطلبات لاستقلال مهنة المحاماة منها :
أولاً : الالتزام الأخلاقي الرفيع :
ونعني أن يتحلى المحامي بجميع الصفات التي ينبغي أن يتصف بها القاضي من نزاهة وحياد والتزام بالقانون وخضوع للضمير في أعماله والاتصاف بالآداب عند عرضه الموقف والقول والمرافعة والبعد عن التحيز والتعصب لا في شؤون المهنة فقط لكن بشؤون حياته أيضاً .
نعم ، عليه الالتزام الأخلاقي الرفيع عند أدائه لرسالة الدفاع المقدس و مشاركته في وظيفة إقامة العدل من هنا فإن جميع التشريعات الناظمة لمهنة المحاماة أوجبت توفر هذه الصفات في المحامي بل اعتبرته شرطاً لمزاولة المهنة يجب استمراره وتوفره ، واعتبرت أن الحق ينتفي إذا لم يتوفر هذا الشرط .
إن المادة / 9 / من قانون تنظيم مهنة المحاماة في سورية اشترطت لممارسة المهنة النبيلة أن يكون الطالب ( ذا سيرة حسنة وغير محكوم بأي عقوبة جنائية أو عقوبة لجريمة تتنافى مع واجبات المهنة وكرامتها ) .
- والمادة / 22 / منه أيضاً أوجبت على المحامي قبل اشتغاله بالمهنة أدائه القسم القانوني بأن ( يمارس مهنته بأمانة وشرف وأن يحافظ على سر المحاماة واحترام القوانين ) .
وإن نزاهة المحامي والتزامه بالقانون يتطلبان أن يسلك الطريق التي يراها ناجعة للدفاع عن موكله وأن لا يتعدى حدود وكالته ( المادة 57 من قانون تنظيم المهنة ) .
كذلك تستوجب النزاهة على المحامي أن يبتعد عن جميع وسائل ومظاهر استجلاب الزبائن والدعاية التجارية ووسائل الخداع في الحصول على الدعاوى والإساءة لزملائه . وهذا أكدته المادة ( 71 ) من قانون تنظيم مهنة المحاماة بقولها ( لا يجوز للمحامي أن يعلن عن نفسه بشكل لا يتفق مع تقاليد المحاماة وأن لا يسعى وراء الموكلين مباشرة أو بواسطة أحد ) .
ونصت المادة / 77 / ( يعاقب المحامي الذي يقبل وكالة عن طريق السماسرة بالشطب من الجدول ) .
والمادة / 68 / ( بأنه لا يجوز للمحامي أن يقبل وكالة ضد زميل له بالدعاوى الجزائية بدون إذن مجلس الفرع ) .
والمادة / 70 / ( يحظر على المحامي أن يقبل وكالة ضد من سبق أن توكل عنه بموضوع النزاع ، وعلى المحامي الامتناع عن إبداء أي مساعدة ولو من قبيل المشورة لخصم موكله بنفس النزاع أو مرتبط به ) .
والمادة / 72 / ( لا يجوز أن يقبل وكالة أو يستمر فيها في دعوى أمام قاضٍ تربطه به قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة ولو وافق خصمه على ذلك ) .
وحفاظاً على الحياد والنزاهة والتزاماً بمفهوم المحاماة ودورها السامي فإن المحامي يجب عليه أن يمتنع عن ممارسة أي عمل إلى جانب المحاماة من شأنه التأثير على نزاهته أو أدائه أو كرامة المهنة .
والمادة / 11 / من قانون تنظيم مهنة المحاماة قضت بأنه ( لا يجوز الجمع بين عضوية النقابة والوظائف العامة أو الخاصة دائمة كانت أو مؤقتة براتب أو بتعويض مهما كان نوعها ، باستثناء العمل النقابي أو التدريس في الجامعة أو العمل بصحافة حقوقية ، ولا يجوز احتراف تجارة أو صناعة أو زراعة ، ولا أن يجمع بين منصب رئيس سلطة تشريعية أو وزارة أو عضوية لجان أو تفتيش في الحزب أو عضو قيادة فيه أو عضوية مكاتب تنفيذية للإدارة المحلية ولا عضوية قيادة قومية أو قطرية أو مركزية أو أي عمل يتنافى مع الممارسة الفعلية لمهنة المحاماة أو لا يتفق مع كرامة المهنة وشرفها ، وقد اعتبر القانون أن هذا ممكن بشكل استثنائي مع بقاء اسمه مسجلاً في الجدول ولكن دون أي ممارسة للمهنة .
ثانياً : التأهيل القانوني :
أي أن يؤدي مهنته بكل اقتدار وكفاءة لأن المحاماة مهنة عملية وفن رفيع تقوم على المعرفة المتجددة وتنمية المهارات والقدرة على الأداء ، فعليه إعداد واجباته ودعاويه بشكل مسبق ومتقن ، وعليه الإحاطة بمادة دعواه القانونية ومسائلها الواقعية ، وتحضير خطة وآلية دفاعه عن حق موكله ، وتجهيز بيناته والقدرة على مواجهة المفاجآت في الدعوى وسرعة البديهة في التعامل مع الأحداث ، ويجب البحث عن المعلومة بصبر ومثابرة وتحليل ، وأن يمتلك أدوات المرافعة من ( لغة وخطابة وقدرة على العرض وما تحتاجه الفكرة وكيفية عرضها ... ) بها يستطيع الدفاع عن حقوق الآخرين ويصبح محترفاً ، وبدون هذه القدرة تفقد الاستقلالية أحد مبررات وجودها ، ومن هنا يكون التعليم القانوني والتدريب المهني والتأهيل المستمر من الأمور المهمة لتحقيق مقتضيات استقلال المحاماة .
فالمحامون يتلقون إذاً الثقافة القانونية كعلم وفن وتتشكل لديهم مجموعة من القيم ويكتسبون إحساسهم بآداب المهنة ووعيهم لمسؤولياتهم الاجتماعية للمحاماة واهتمامهم بحقوق الإنسان والحريات الأساسية ، ومن هنا أخضعت الأنظمة المحامي لاختبارات التثبت من الكفاءة والجدارة ، ولا ننسى دور النقابة بتدريب المحامين وتقديم برامج التأهيل نظرياً وعملياً لتقرير كفاءتهم عملياً وعلمياً فاستقلال مهنة المحاماة منوط بالمحامين والتزامهم الأخلاقي بكل ما يكفل نزاهتهم ويحافظ على شرف المهنة وكرامتها والتزامها أيضاً بالحفاظ على كفاءتهم المهنية وتطوير قدراتهم بالمعرفة وبأدائهم العملي .
- مظاهر استقلال مهنة المحاماة :
إن ما يؤكد هذه الاستقلالية يظهر بعدة محاور من خلال :
1 – استقلال التنظيم القانوني للمحامين وأهميته على شؤون المحامين والمهنة :
لتستقل المحاماة يتوجب وجود تشريع منظم لهذه المهنة يكفل الاستقلالية بعيدة عن سلطات الدولة ويحصر مزاولة المهنة بالمحامين وبوجود تنظيم نقابي فتتولى النقابة شؤون المهنة ولها استقلالية مالية وإدارية بصلاحيات ومساءلة المحامين تأديبياً عن طريق النقابة فقط ، وعلى النقابة أن تكون ذات إرادة حرة يعترف القانون بها ويكفلها وأن تكون مجالسها التمثيلية منتخبة بطريقة حرة ديموقراطية دون تدخل أي جهة ، وأن تدافع النقابة عن السلطة القضائية وحماية وكرامة و استقلال القضاء وأن تتعاون مع السلطة القضائية بالمشورة والرأي لما فيه حسن سير العدالة وتطور العمل القضائي .
2 – استقلال المحامي في علاقته بموكله :
المحامي حر بقبول أو رفض الوكالة عن الغير ، لأن ما يربطه بموكله من علاقة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة ، لكن يقع عليه واجب عدم رفض قبول الوكالة في حال المساعدة القضائية بالدفاع عن المحتاجين .
- والمحامي حر بتحديد ومباشرة خطة دفاعه عن موكله وهو مستقل باجتهاده القانوني ولا يسأل عن استشارة أو رأي أبداه بحسن نية .
- والمحامي له الحق فيما يسمى ( الأتعاب ) المتفق عليها .
- والمحامي له الحق بإنهاء وكالته واعتزالها والانسحاب من الدعوى بشرط أن يستعمل هذا الحق في وقت مناسب ودون إلحاق الضرر بالموكل وهو مقيد في الاعتزال باستناده إلى سبب مشروع تحت طائلة المساءلة ، وكذلك منح الموكل حق عزل المحامي متى توافر السبب المشروع مع حفظ حق المحامي الوكيل.
- أما من حيث الواجبات تجاه موكله : فنجد أنه :
- ملزم بالدفاع عن موكله بكل أمانة وإخلاص ويسأل إذا تجاوز حدود وكالته أو قصر وأخل بواجباته .
- والمحامي ملزم بعدم قبول الوكالة عن خصم موكله أو قبول وكالة خصمين بدعوى واحدة.
- والمحامي واجب عليه المحافظة على سر موكله المهني .
وإذا كانت التشريعات الوطنية تجيز للمحامي إفشاء السر إذا اتصل بجرم فهذا لا يخالف واجب المحامي بل يؤكد وظيفته بأمانة وسيادة القانون ، أما السر المهني فهو يختلف عن سابقه ، وهو مظهر من الاستقلالية ينبغي على الجميع احترامها ، ولا يجبر من قبل أي سلطة على إفشاء أسرار موكله إلا بإذن الموكل وإن احترام الدولة لهذا الواجب يؤكد هذه الاستقلالية .
- يلتزم المحامي بالامتناع عن الشهادة ضد موكله أو ما يعرض مصالح موكله للخطر .
- يلتزم المحامي بإعادة أوراق موكله وكل ما ائتمنه عليه من أموال ومستندات .
3 - استقلال المحامي بعلاقته بالقضاء :
لتأكيد استقلالية المحامي - عليه :
أن يسلك تجاه القضاء مسلكاً محترماً يتفق وكرامة القاضي ومركزه وهيبته واستقلاله وأن يقيم علاقته مع القضاء على أساس علاقات الزمالة والتعامل الرسمي والاحترام المتبادل ، وبالمقابل على القضاء التزامات لحماية هذا المبدأ ويبرز هذا بما يلي :
- باحترام القضاء للمحامين ودورهم وإتاحة الفرصة كاملة لهم للقيام بواجباتهم .
- وعلى القضاء أن يتيح للمحامي إبداء أقواله واعتراضاته بكل حرية وأن يحترم حق المرافعة.
4 - استقلال المحامي بعلاقاته بنقابته وزملائه :
فعلاقته بزملائه ألزمت المحامي أن يتعامل بلباقة مع زملائه وأن يرفع أي خلاف مع أي منهم للنقابة وحظرت الأنظمة على المحامي أن يقيم دعوى أو شكوى ضد زميله قبل حصوله على أذن النقابة ، وحددت للمحامي الأستاذ واجبات تجاه زميله المتدرب تحت إشرافه وحظرت التوكيل بدعوى سبق لزميله أن توكل بها إلا بإذن الأخير الخطي .
وعلى المحامي التزامات باتجاه نقابته أي عليه واجب تنفيذ كل ما هو مقرر بقانون النقابة وأنظمتها ولوائحها ، من التزامات مالية أو رفع منازعات أو شكاوى ضد زميل له أو قاضٍ ، وعليه الامتثال لأوامر وطلبات النقابة في ميدان التأديب والمسائلة المسلكية دون إخلال بحقه في الطعن بقراراتها ، وهو يؤدي واجبه بانتخاب مجلس النقابة والمشاركة بهيئتها العامة وتنفيذ ما يكلفه به النقيب من أعمال مهنية مجانية .
5- استقلال المحامي في علاقاته بالأجهزة المتصلة بنظام العدالة :
يتعذر استقلال المحامي في دولة القانون التي لا يسود بها احترام حقوق الإنسان وبما أن احترام حقوق الإنسان تعني احترام أجهزة الضابطة العدلية لحقوق المتهم المفترض براءته منها إلى حين إدانته بقرار قضائي بعد محاكمة عادلة تكفل له حق الدفاع بكل ضماناته ، وهذا الاحترام ينسحب إلى احترام واجب المحامي بالدفاع وكذلك على جميع الدول والسلطات أن تحترم حرية المحامي ومكانته ما دام يمارس مهنته أمامها وأن تتيح له فرصة الدفاع عن موكله وهذا يقتضي عدم تعرض المحامي للملاحقة والقبض نتيجة ما يقوم به من أعمال لخدمة موكله .
وهذا ما أكدته المواد ( 78 / أ – ب – ز ) – ( 57 / أ ) – المادة / 74 / من قانون تنظيم مهنة المحاماة بسورية .
6 - استقلال المحامي في علاقته بالغير :
إن المحامي وفق مبدأ الاستقلال لا يجوز أن يتعرض لتهديد أو تدخل بشؤون مهنته من أي جهة أو أي شخص كان ولا للضغط وخاصة لأن المحامي قد لا يرضي الرأي العام عمن يدافع عنه .
من هنا نجد نص المادة / 78 / ز ( كل من يعتدي على محامٍ خلال ممارسته مهنته وبسبب ممارسته لها يعاقب بالعقوبة التي يعاقب عليها فيما لو كان الاعتداء واقعاً على قاضٍ )
معيقات استقلال المحاماة
أول هذه المعيقات هي : - انتهاك حقوق الإنسان .
– تغييب الديمقراطية وحكم القانون .
لأن التربة الخصبة لسيادة القانون وضمان استقلال ركني عدالة القضاء والمحاماة هي حماية حقوق الإنسان الديمقراطية وسيادتها سيادة لدعائم العدالة وإن ما يعيق هذا الاستقلال عموماً في وطننا العربي هو التوسع في إنشاء المحاكم الخاصة و الاستثنائية .
أولاً : التوسع في إنشاء المحاكم الخاصة والاستثنائية :
بما أن القاضي الطبيعي والنظامي والذي يخضع بقضائه لضميره وللقانون وهو منتسب للسلطة القضائية المستقلة والتي حمت استقلالها قواعد الدستور وبما أن المدافع الطبيعي أمام هذا القاضي هو المحامي المسلح بالقواعد التي تقيد القاضي والمحامي وكلاهما يتحليان بحس مشترك بأن يسند كل منهم الآخر للحفاظ على هذا الاستقلال وبالتالي فإن التوسع في إنشاء المحاكم الخاصة والاستثنائية يعيق تطبيق مبدأ استقلال المحاماة لعدم تطبيق القواعد الأصولية فيها .
ثانياً : تضييق الحق في الاستعانة بمحامٍ :
إن المتهم له الحق بالاستعانة بمحامٍ في كل الأوقات وأمام أي جهة سواءً أكانت تحقيق أو محاكمة ولكننا نجد أن حقه مقيد أمام جهات الضابطة العدلية ونجد أيضاَ أن بعض التشريعات العربية قيدت هذا الحق بطلب المتهم دون التزام من النيابة بتعيين محامٍ عن المتهم وكذلك حضور المحامي لسماع الشهود فقط .
إن هذا كله به مساس بمكانة المحاماة وثقة الجمهور بها إلى جانب حرمان المتهم من الدفاع عن حقه وفي احترام قرينة البراءة التي يحظى بها لحين ثبوت العكس إضافةً إلى حقوقه الدستورية .
ثالثاً : التدخل المباشر وغير المباشر في النقابات ودورها :
إن أي تدخل من السلطة التنفيذية في النقابات أو تعيين اللجان المؤقتة كما حصل بالسودان ومصر وليبيا يعتبر انتهاكاً لمبدأ استقلال المحاماة وللحقوق المكفولة لها دستورياً .
وكذلك التدخل الغير مباشر للسيطرة على النقابة كاستخدام السلطة نفوذها ومؤيدها للسيطرة على النقابة .
نخلص :
إن حماية حقوق الإنسان وحرياته توجب حصول جميع الأشخاص على خدمات قانونية يقدمها رجال قانون مستقلون يتمتعون بالكفاءة والجدارة والقدرة على أداء واجبات الدفاع ويتحلون بالنزاهة والحياد والالتزام الخلقي بعملهم .
فالمحاماة : هي المحاماة المستقلة المرتبطة عضوياً بالقضاء المستقل في دولة تحترم وتكفل حقوق الإنسان ،
وهي المحاماة التي تتولى شؤونها نقابات المحامين التي تتمتع بالاستقلال في إدارة وتولي شؤون المهنة والحفاظ على كرامتها وكفاءة منتسبيها ومساءلة المخّل منهم بواجباته المهنية والأخلاقية . | |
|